في السنوات الأخيرة، أصبحت الأجيال الشابة مركزًا لإعادة تشكيل الكثير من الصناعات، لكن الجيل Z (من مواليد 1997-2012) تحديدًا يتعامل مع سوق العقارات بطريقة مختلفة تمامًا، بالنسبة لهم، المنزل لم يعد مجرد “مأوى” أو “استثمار طويل الأجل”، بل تحول إلى وسيلة للتعبير عن الهوية، منصة للحرية الشخصية، وتجسيد مباشر لنمط الحياة والقيم التي يؤمنون بها.
ما يحدث الآن ليس مجرد تغيير في الذوق أو أسلوب الشراء، بل إعادة تعريف شاملة لفلسفة السكن والملكية العقارية، فكيف يفكر هذا الجيل؟ وما الذي يدفع المطورين العقاريين إلى تعديل نماذج أعمالهم لتلائم طريقة تفكيرهم؟

الجيل Z: لماذا هم مختلفون؟
الجيل Z هو أول جيل نشأ بالكامل في عالم رقمي، متصل، سريع التغير، ومفتوح ثقافيًا، وهذا يجعلهم:
- أكثر وعيًا بالقضايا البيئية والاجتماعية.
- أقل انجذابًا للنماذج الاستهلاكية التقليدية.
- أكثر ميلًا للتعبير عن أنفسهم من خلال الخيارات اليومية، من الملابس وحتى اختيار منازلهم.
لذلك، لا يرون في المنزل مجرد سقف يأويهم، بل مساحة تُمثّلهم، فالنوافذ، الألوان، الأثاث، والموقع، كلها إشارات اجتماعية مرتبطة بهويتهم الرقمية والواقعية.
تصميمات معمارية حديثة ومستدامة
من شراء العقار للاستقرار إلى بناء النمط الشخصي.. فروقات التفكير بين الأجيال
بالنسبة للأجيال السابقة، كان امتلاك المنزل علامة استقرار ونجاح مالي، أما بالنسبة للجيل Z، فإن الاستقرار نفسه ليس أولوية. إنهم يؤمنون بالمرونة، يغيّرون المدن، وأنماط العمل، وحتى نمط السكن تبعًا للمزاج والمرحلة.
لذا فإنهم:
- لا يمانعون الإيجار، طالما كان المكان يعكس شخصيتهم.
- يفضلون مساحات صغيرة قابلة للتخصيص.
- يهتمون بتفاصيل مثل الإضاءة الطبيعية، إمكانية تحويل المساحة، وجود مساحات خضراء.
البعض منهم يختار السكن في منازل جاهزة متنقلة، أو شقق مصممة خصيصًا للحياة المشتركة، لا توفيرًا فحسب، بل أيضًا لأن هذه الخيارات تمنحهم حرية أكبر.
المنزل بالنسبة لجين Z واجهة رقمية
تأثير المنصات مثل Instagram وTikTok واضح في طريقة تعامل الجيل Z مع منازلهم، فهم غالبًا ما يشاركون صور غرفهم وزوايا منازلهم كجزء من علامتهم الشخصية (personal brand).
وهو ما يعني أن:
- تصميم المنزل بات يجب أن يكون “Instagrammable”.
- الجماليات الداخلية تأخذ أولوية تفوق أحيانًا المساحة أو الوظائف الأساسية.
- الألوان، الإضاءة، والديكور تُختار لتكون جذابة بصريًا على الكاميرا، لا فقط للراحة الواقعية.
نتيجة لذلك، المطورون العقاريون بدأوا فعليًا بتضمين مفاهيم مثل “مساحات تصوير” أو “جدران قابلة للتخصيص” في الشقق الصغيرة والمجمعات السكنية.
القيم تقود القرار بشراء العقار
على عكس الأجيال السابقة التي كانت مدفوعة بالعائد المالي والاستقرار، يتخذ الجيل Z قراراته العقارية على أساس:
القيم الأخلاقية: مثل التزام المطور بالاستدامة، أو إن كان يستخدم مواد صديقة للبيئة.
الشفافية: يفضلون الشركات التي تعرض خططها بوضوح وتسمح بالتخصيص أو التعديل.
الهوية المجتمعية: يميلون إلى السكن في مجتمعات تتشارك نفس القيم وليس فقط الموقع الجغرافي.
بمعنى آخر، الشفافية والاستدامة لم تعد ميزات تسويقية، بل متطلبات جوهرية في قرار الشراء أو الإيجار.
التكنولوجيا كجزء من الحياة السكنية
الجيل Z لا يفصل بين حياتهم الرقمية وحياتهم الواقعية، لذلك، يبحثون عن منازل ذكية مجهزة بـ:
- تحكم عن بعد في الإضاءة، التكييف، والأمن.
- إمكانية الاتصال المتقدم للعمل من المنزل أو ممارسة الألعاب الإلكترونية.
- حلول ذكية لتقليل استهلاك الطاقة أو مراقبة جودة الهواء.
- أي مشروع لا يأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار يعتبر “خارج السوق” بالنسبة لهم.
كيف تتكيف الشركات العقارية مع نمط تفكير الجيل Z؟
بعض شركات التطوير العقاري بدأت فعليًا بإعادة التفكير في أسلوب تصميم وتسويق العقارات لتناسب الجيل Z، وأبرز الاتجاهات:
- إدخال عناصر التصميم المخصص (Customization) مثل إعطاء المشتري حرية اختيار ألوان الجدران أو أنظمة الإضاءة.
- المساحات المشتركة مثل استوديوهات العمل المشترك، مطابخ جماعية، وغرف اجتماعية بتصاميم حديثة.
- تسويق عبر TikTok وInstagram لمخاطبة الجيل بلغته ومنصاته.
- التأجير بالاشتراك أو حسب الطلب مثل نماذج الإيجار الأسبوعي أو المرن، وحتى شراء جماعي.
إعادة تعريف مفهوم “الحي”
الجيل Z لا يهتم فقط بما يوجد داخل الجدران، بل أيضًا بما يحيط بالمنزل، يريدون أحياء:
- متصلة بالواي فاي المجاني.
- تحتوي على مقاهي مستقلة، مساحات عمل مشتركة، وبيئة داعمة للمشي وركوب الدراجة.
- تُنظَّم فيها فعاليات ثقافية وفنية.
- إنهم يبحثون عن تجربة سكنية كاملة، لا مجرد عقار.
التأثير الاقتصادي الأوسع
من منظور السوق، فإن تحول الجيل Z بهذه الطريقة يُجبر:
- البنوك على تقديم قروض مرنة أكثر، وربما منتجات تمويل مؤقت أو تشاركي.
- المطورين على بناء مشاريع صغيرة مرنة بدلًا من الكتل السكنية التقليدية.
- البلديات على إعادة التفكير في تخطيط المدن لتوفير حياة أكثر توازنًا بين العمل، الحياة، والترفيه.
- والأهم أن الجيل Z يجعل العقارات تتقاطع أكثر مع الفن، التصميم، والتكنولوجيا، مما يفتح أسواقًا جديدة لم تكن موجودة.
تحديات وصعوبات تواجه هذا التحول
رغم كل هذه الديناميكية، إلا أن هناك عقبات واضحة، أبرزها:
- ارتفاع أسعار العقارات لا يتناسب مع دخول الجيل Z في معظم المدن الكبرى.
- اللوائح التنظيمية ما زالت بطيئة في دعم نماذج الإسكان المرن أو الجماعي.
- مقاومة بعض المطورين لتغيير النماذج التقليدية خوفًا من المجازفة.
- ومع ذلك، فإن الضغط المستمر من هذا الجيل، إضافة إلى التطور السريع للتكنولوجيا، سيدفع التغيير بشكل حتمي.
منازل تتنفس الشخصية
الجيل Z لا يبحث عن بيت؛ إنه يبحث عن مساحة تعكس شخصيته، تدعم نمط حياته، وتتحدث لغته، ولهذا السبب، من ينجح في مخاطبة هذا الجيل، سواء كان مطورًا، أو شركة تسويق، أو جهة تمويل، سيحظى بفرصة ريادة سوق يتغير جذريًا، لقد انتهى عصر “منزل الحلم” بمواصفات عامة.. ودخلنا عصر “المنزل كامتداد للذات”.